عدد سكان روسيا 2024

عدد سكان روسيا: تحليل ديموغرافي شامل

تعد روسيا أكبر دولة في العالم من حيث المساحة الجغرافية، إذ تمتد على أكثر من 17 مليون كيلومتر مربع وتغطي نحو ثمن سطح اليابسة على كوكب الأرض. ومع هذا الامتداد الهائل، فإن الكثافة السكانية فيها تبقى منخفضة نسبياً مقارنة بمساحتها، ما يجعل دراسة عدد السكان في روسيا وتحليل تركيبهم الديموغرافي والسوسيولوجي قضية بالغة الأهمية سواء من منظور اقتصادي أو سياسي أو حتى جيوستراتيجي. يتناول هذا المقال بصورة موسعة عدد سكان روسيا، وتوزيعهم الجغرافي، والخصائص الاجتماعية والديموغرافية التي تميزهم، والتغيرات التي طرأت عليهم في العقود الأخيرة، إلى جانب التحديات السكانية التي تواجه البلاد.

عدد السكان في روسيا 2024

وفقاً لأحدث الإحصائيات الصادرة عن هيئة الإحصاء الفيدرالية الروسية (Rosstat) ومنظمات الأمم المتحدة، فإن عدد سكان روسيا في عام 2024 يُقدّر بحوالي 144.3 مليون نسمة، مقارنة بـ 146.7 مليون نسمة في عام 2021، ما يعني أن البلاد تشهد انخفاضًا سكانيًا مطردًا خلال السنوات الأخيرة. يعود هذا الانخفاض إلى عدة عوامل تشمل تراجع معدلات الخصوبة، وارتفاع معدلات الوفاة، والهجرة الخارجية السلبية، والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي أثّرت على نمط حياة الأسرة الروسية.

تطور عدد السكان تاريخياً

لفهم الوضع الحالي لعدد السكان في روسيا، من الضروري استعراض تطوره التاريخي:

تظهر البيانات أن ذروة عدد السكان كانت في بداية التسعينيات قبل الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي أعقب تفكك الاتحاد السوفييتي. بعدها، بدأت البلاد تشهد تراجعًا ديموغرافيًا مستمرًا رغم بعض الانتعاش الطفيف الذي تحقق خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين نتيجة بعض السياسات الحكومية التحفيزية.

التركيبة الديموغرافية

الجنس

تُظهر الإحصاءات أن نسبة الإناث في روسيا أعلى من نسبة الذكور. تشير البيانات إلى أن هناك نحو 86 رجلاً مقابل كل 100 امرأة، ويُعزى هذا التفاوت إلى عوامل عدة من بينها الحروب التاريخية التي أثرت بشدة على عدد الذكور، فضلاً عن ارتفاع متوسط العمر المتوقع لدى النساء مقارنة بالرجال.

الفئات العمرية

تواجه روسيا مشكلة متزايدة في شيخوخة السكان، إذ يتزايد عدد المسنين بينما يتراجع عدد المواليد. وفقاً لبيانات 2024:

• نسبة من هم فوق 60 عاماً: 25.2%

• نسبة الأطفال (أقل من 15 سنة): 17.1%

• نسبة الفئة النشطة اقتصادياً (15-59 سنة): 57.7%

تشكّل هذه التركيبة عبئاً على أنظمة الرعاية الصحية والمعاشات، وتضعف قاعدة القوة العاملة الضرورية لدعم الاقتصاد.

التوزيع الجغرافي للسكان

على الرغم من الامتداد الشاسع للبلاد، إلا أن أغلب السكان يتركزون في الجزء الأوروبي من روسيا، الذي يمثل أقل من 25% من مساحة الدولة، بينما يعيش فيه أكثر من 75% من السكان. من أبرز المدن من حيث عدد السكان:

• موسكو: 12.6 مليون نسمة (2024)

• سانت بطرسبرغ: 5.4 مليون نسمة

• نوفوسيبيرسك: 1.6 مليون نسمة

• يكاترينبورغ: 1.5 مليون نسمة

أما المناطق الشرقية والقطبية مثل سيبيريا والشرق الأقصى الروسي، فتعاني من كثافة سكانية منخفضة للغاية، تقل أحياناً عن 2 شخص لكل كيلومتر مربع.

معدلات الخصوبة والوفيات

تشهد روسيا أحد أدنى معدلات الخصوبة في العالم، حيث بلغ معدل الخصوبة في 2023 حوالي 1.43 طفل لكل امرأة، بينما المعدل اللازم للمحافظة على حجم السكان هو 2.1. من ناحية أخرى، فإن معدل الوفيات مرتفع نسبيًا، ويُعزى ذلك إلى أمراض القلب، تعاطي الكحول، التدخين، والحوادث، إضافة إلى آثار جائحة كوفيد-19.

الهجرة ودورها في التوازن السكاني

رغم محاولات الدولة لتشجيع الهجرة من الدول المجاورة لتعويض الفجوة السكانية، إلا أن الهجرة لم تعد كافية لتحقيق توازن ديموغرافي إيجابي. معظم المهاجرين إلى روسيا يأتون من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق مثل أوزبكستان، طاجيكستان، وأوكرانيا.

ومع اشتداد التوترات السياسية مع الغرب، وانخراط روسيا في صراعات جيوسياسية، فقد أصبحت البلاد أقل جاذبية للمهاجرين من مناطق أخرى مثل أوروبا أو شرق آسيا.

السياسة الحكومية تجاه التحديات السكانية

اتخذت الحكومة الروسية العديد من المبادرات لمعالجة التحديات السكانية، منها:

• برنامج “رأس المال الأمومي” (Maternity Capital): وهو دعم مالي يُقدَّم للأسر التي تنجب أكثر من طفل واحد.

• سياسات العمل المرن ودعم الأسرة: بما في ذلك إجازات الأمومة الممتدة، وحوافز ضريبية.

• تحفيز الهجرة المنظمة من خلال تسهيلات لمن يتحدث الروسية أو ينحدر من أصول روسية.

• استثمار في القطاع الصحي لرفع معدلات الحياة وتقليل الوفيات المبكرة.

رغم هذه السياسات، إلا أن فعاليتها لا تزال محدودة، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية والعزلة السياسية التي تؤثر على النمو العام للبلاد.

الكثافة السكانية في روسيا

تُعد الكثافة السكانية في روسيا من بين الأدنى عالميًا، إذ تبلغ نحو 8.4 نسمة لكل كيلومتر مربع فقط (2024). هذه النسبة تخفي تبايناً كبيراً في التوزيع، حيث تصل الكثافة في موسكو إلى أكثر من 4900 نسمة لكل كيلومتر مربع، بينما تقل عن 1 نسمة لكل كيلومتر مربع في مناطق سيبيريا والشرق الأقصى.

تأثير النزاعات والسياسات الدولية

الظروف السياسية الدولية، وخصوصًا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا منذ عام 2022، كان لها تأثير كبير على الوضع السكاني. فقد أدت العقوبات الغربية إلى تراجع النمو الاقتصادي، وهجرة فئات من الشباب المتعلم، وخلق حالة من عدم اليقين زادت من تراجع معدلات الإنجاب.

كذلك، فإن التعبئة الجزئية للجيش، والخوف من عدم الاستقرار، أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المواطنين الروس إلى الخارج، لا سيما في دول آسيا الوسطى، تركيا، وجورجيا.

التحديات المستقبلية

تواجه روسيا تحديات ديموغرافية معقدة تتمثل في:

1. الانكماش السكاني: التراجع المستمر في عدد السكان سيكون له تأثيرات مباشرة على الاقتصاد وقوة العمل.

2. شيخوخة السكان: ما يزيد من الضغط على أنظمة الصحة والمعاشات.

3. النزوح الداخلي: الهجرة من المناطق الريفية إلى الحضر، ما يفرغ الريف من السكان.

4. الهجرة العكسية: فقدان الكفاءات بسبب الهجرة الخارجية، خاصة بين الشباب والمتعلمين.

5. العزلة السياسية: تقليل فرص التعاون مع المنظمات الدولية في مشاريع دعم السكان والرعاية الصحية.

خاتمة

تُعتبر القضية السكانية في روسيا من أكبر القضايا الاستراتيجية التي تواجهها البلاد في القرن الحادي والعشرين. فالانخفاض المتواصل في عدد السكان، مصحوبًا بالشيخوخة والمشاكل الصحية والاجتماعية، يمثل تحديًا كبيرًا يتطلب سياسات طويلة الأمد وشاملة. إن مستقبل روسيا لا يعتمد فقط على قوتها العسكرية أو الاقتصادية، بل بشكل متزايد على قدرتها على الحفاظ على توازنها السكاني، وتوفير بيئة ديموغرافية مستدامة.

المراجع:

1. Rosstat – Федеральная служба государственной статистики (2024)

2. United Nations Population Division – World Population Prospects 2024